فى الأسبوع الماضي زار وفد مصري رسمي واشنطن للتفاوض مع إسرائيل والولايات المتحدة على توسيع إتفاق الكويز وتقليل نسبة المكون الإسرائيلى فى صادراته المصرية لأمريكا. في نفس الوقت تقريباً، كان نشطاء فلسطينيون يضعون اللمسات الأخيرة لخطة إنشاء أول قرية فلسطينية على أراضٍ خصصتها إسرائيل اغتصاباً للمستوطنات، قبل أن يقيموها بالفعل فجر الجمعة الماضي تحت اسم «باب الشمس»، مطلقين سبيلاً جديداً فريداً للمقاومة في زمن صعب.
خبر اجتماعات الكويز، الذي انفرد به الزميل محمد المنشاوى مدير مكتب الشروق فى العاصمة الأمريكية، ليس مفاجأة في الحقيقة. فقد مهدت له زيارة أمريكية للقاهرة فى سبتمبر، وكانت الإتفاقية بنداً رئيسياً على جدول أعمال حكومة هشام قنديل، منذ أن عينها الرئيس مرسي. وفي التاسع من سبتمبر ٢٠١٢، وفي حوار مع وكالة بلومبرج الأمريكية المتخصصة في الاقتصاد قال قنديل، إن مصر ستفي بتعهدها فيما يتعلق بالإتفاق، الذي يفتح باب السوق الأمريكية لمنتجات مصرية إذا كان بها مكون إسرائيلي يبلغ ١٠.٥٪ (وهو ماتريد مصر مرسي تخفيضه الآن لـ ٨٪). بل قال قنديل بالنص إن «أناساً كثيرين يصنعون عملاً ناجحاً منها، ونريد أن نكون متأكدين أننا نفعل الشيء الصحيح لهم لكى يزدهروا».
الإخوان وكويز ٢٠٠٤
في ٩ ديسمبر ٢٠٠٤، يقول تقرير منشور على موقع «الإخوان المسلمون» (إخوان أونلاين)، وتحت عنوان «نواب الإخوان: الكويز خطر على أمن مصر»، إن نواب الكتلة البرلمانية للإخوان بالبرلمان حذروا من خطورة إتفاقية المناطق المؤهلة المزمع عقدها بين مصر و«الكيان الصهيوني» بعدها بأيام. ونقل الموقع عن طلبات إحاطة واستجوابات النواب أن «الاتفاقية تمثل خطورة حقيقية على الأمن القومي لأنها أول اتفاقية اقتصادية وصناعية مع العدو الصهيوني». وقال الدكتور حمدى حسن فى طلب الإحاطة الذى قدمه إن الاتفاق «يحقق ما كان يسعى إليه العدو منذ عقود من الزمن للسيطرة على المنطقة اقتصادياً عبر اختراق الاقتصاد المصري بعد أن سيطر عليها سياسياً عقب إتفاقية كامب ديفيد». وأنهى الدكتور حسن طلب الإحاطة بأن «الصهاينة لا ينفع معهم لا سلام ولا عهد ولا كويز» رافضاً بكل قوة جميع محاولات التطبيع مع «عدونا الغاصب» معتبرا إياها «وصمة عار ستتحملها الأجيال القادمة».
ولم تتوقف أسباب رفض الإخوان للكويز فقط عند السياسة. بل حرصت الجماعة على تفنيد مبررات نظام مبارك ووزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد من أنها ستكون السبب في انقاذ صناعة النسيج وأنها ستخلق ١٥٠ ألف وظيفة جديدة. وهزأ النائب محمد مرسي وهو وقتها المتحدث بإسم نواب الإخوان بهذه المبررات في كلمة له بالمجلس مطالباً الحكومة بإيضاح من أين تأتى الـ١٥٠ ألف فرصة عمل رافضاً توقيع مصر إتفاقاً مع وزير صهيونى. أما النائب حسنين الشورة فقد تساءل عن الضغوط التى يمارسها لوبي المستفيدين من رجال الأعمال على الحكومة للتوقيع على الإتفاقية.
الآن، وبعد ٨ سنوات، تسعى الحكومة التي عينها الرئيس محمد مرسي إلى توسيع نطاق الكويز وسط صمت كامل من حزب الحرية والعدالة ومن جماعة الإخوان. فهل هناك ما تغير من زاوية مبررات الرفض؟
من كويز نظيف لكويز قنديل..ابحث عن المستفيد
كما نعلم جميعاً، لم تتحقق أي من الوعود الاقتصادية التي بشرنا بها الوزير رشيد وحكومة أحمد نظيف. فلا كان الكويز طوق النجاة لصناعة النسيج المصرية ولا شهدت الصادرات المصرية الطفرة التاريخية المنشودة. وعلى مدى ٨ سنوات وربع، من بداية تفعيل الاتفاقية في ٢٠٠٥ إلى نهاية الربع الأول من ٢٠١٢، صدرت مصر للولايات المتحدة ما قيمته ٥.١ مليار دولار في ظل الإتفاقية، أي بمعدل ٦١٨ مليون دولار سنوياً. أما أهم منتج نصدره فهو سراويل الجينز، التي وحدها بلغت نصف قيمة صادرات الكويز تقريباً فى ٢٠١١ ويتلقى أغلبها محال «جاب» و«ليفايس» الأمريكية، بحسب آخر أرقام وحدة الكويز بوزارة التجارة والصناعة. بينما استوردت مصر من إسرائيل خلال تلك الفترة ما قيمته ٥٦٠ مليون دولار من إسرائيل. فياله من حصاد هزيل بالمقارنة بحجم صادرات مصر الذى بلغ ٢٩ مليار دولار فى ٢٠٠٧/٢٠٠٨ و٢٧ مليار دولار فى ٢٠١١/٢٠١٢.
ومنذ الثورة ارتفعت صادرات الكويز مسجلة ٩٣١.٦ مليون دولار فى ٢٠١١ مقارنة ب ٨٥٨.٢ مليون دولار فى ٢٠١٠. وفى الربع الأول من عام ٢٠١٢ بلغت الواردات المصرية من إسرائيل ٩٤ مليون دولار منها ٤٨ مليونا فى شهر واحد هو مارس وهي أكبر ب ٤ مرات من مثيلتها فى نفس الربع من ٢٠١١.
ومما لا شك فيه أن الأثر الأول للكويز جنباً إلى جنب مع إتفاق الغاز كان زيادة التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل بما لذلك من معانٍ سياسية. فماذا حدث على مستوى الوظائف وتوسع الصناعة واستفادتها وهل جلبت تدفقات الاستثمار الأجنبي الموعودة للاستفادة من تلك الفرصة التصديرية؟
من بين ٥٣٦ شركة سجلت نفسها فى الكويز هناك ٣٨٢ شركة لم تصدر بمليم واحد. وبلغ عدد الشركات التى صدرت شيئا ما خلال ٨ سنوات وربع ١٥٤ شركة، أي أن هناك 7 شركات من كل 10 مسجلة لم تستفد على الإطلاق من الإتفاق، وذلك حتى نهاية الربع الأول من ٢٠١٢. وتبلغ حصة المنسوجات والملابس الجاهزة ٨٩٪ من هذه الصادرات تليها منتجات بلاستيك بـ٢٪ ومنتجات كيماوية بـ ٢٪. أي أن المستفيد الأول والأهم هم مصدرو الملابس الجاهزة. وتخبرنا دراسة لمنتدى البحوث الاقتصادية (يرأسه د.أحمد جلال أحد منسقي ما سمي بالحوار المجتمعي الذي دعت إليه حكومة قنديل مؤخراً)، أن «مساهمة الكويز كانت ضئيلة للغاية فى حل المشاكل الهيكلية التى تهدد قطاع المنسوجات المصري». وتقول الدراسة الصادرة فى أبريل ٢٠١٠، إنه من بين ١٧ منطقة صناعية بها مصانع كويز فإن ٨٠٪ من الصادرات تخرج من ٦ منها فقط. و٨٨٪ من الصادرات تتركز فى الشركات التى تتجاوز عمالتها ٥٠٠ عامل. «وبين الشركات الكبيرة فإن الانحياز يزيد لصالح الشركات الأكبر والأكبر فنصف حجم صادرات الكويز يخرج من شركات عمالتها فوق ٢٠٠٠ عامل»، بحسب الدراسة التي أعدها الباحثان جيفري نوجنت وعبلة عبد اللطيف. ويعني هذا أن الفائدة قليلة جداً بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي وعدت بالرخاء المقيم. ومازالت كل الشركات تعتمد بالأساس على أقمشة مستوردة من الصين والهند وإسرائيل، «مما يقلل من فوائد الاتفاق» ويعنى أن الفوائد لصناعة الغزل والنسيج عموماً ضعيفة.
من ناحية أخرى جلبت الكويز بعض الاستثمارات التركية في القطاع للاستفادة من الفرصة التصديرية. لكن الدراسة هنا أيضا تقول إن فائدتها المفترضة هي تقوية الصناعات التي تمد صناعة الملابس الجاهزة، «وهو مالم يحدث».
إذا لماذا تدفع حكومة قنديل مرة أخرى في هذه الإتفاقية العاقر؟ الإجابة في السياسة: فقد كانت هذه الإتفاقية حجر أساس في علاقة الولايات المتحدة بنظام مبارك الذي يعد لتوريث إبنه، ومازالت شرطاً أمريكياً لتأييد أي نظام في مصر. أيضاً، وكما قال النائب الشورة في ٢٠٠٤، هناك التحالف مع اللوبي الضيق المستفيد من الكويز والذي يقوده رئيس اتحاد الصناعات قبل وبعد الثورة جلال الزربا، وهو أحد المتحدثين لموقع الإخوان مرحباً بتأسيس جمعية «إبدأ» لرجال الأعمال، التي يقودها السيد حسن مالك. يوماً بعد يوم، تشي السياسة الاقتصادية لحكم الإخوان بحجم وعمق هذا التحالف السياسي والاجتماعي مع رجال أعمال مبارك حتى وإن تناقض ذلك مع مواقف سابقة. وهكذا بينما تتصاعد أصوات حكومية وغير حكومية في الغرب لمقاطعة سلع المستوطنات الإسرائيلية بسبب سياسات إسرائيل الاستيطانية الشرسة، تسقط حكومتنا التي عينها رئيس من الإخوان المسلمين في جب توسيع التطبيع الاقتصادي والتجاري معها، دعماً ودفاعاً عن تصدير سراويل جينز ينتجها بالأساس ٥ رجال أعمال.
•••
في ٢٦ أبريل ٢٠٠٦، أي بعد ما يزيد عن عام من تطبيق إتفاق الكويز، نشر موقع الإخوان المسلمين تقريراً يستعرض كتاباً للدكتور أشرف دوابة، (ينشر موقع الحرية والعدالة مقالاته الاقتصادية بانتظام) تحت عنوان «الكويز فى المنظور الاقتصادي والشرعي». فى التقرير يفند د. دوابة «مزاعم أن الكويز مكنت الصادرات المصرية خاصة من المنسوجات من تجنب المنافسة الشرسة في السوق الأمريكية». ينقل التقرير عن الكتاب أنه «لا يمكن تجاهل مخاطر (الكويز) على جهود رفع الكفاءة الإنتاجية للصناعة المصرية؛ نتيجة اعتماد الصناعة المصرية على ما قد تتضمنه تلك الإتفاقية من مزايا استثنائية يمكن أن تُلغَى في أي وقت لسبب أو آخر، فهناك العديد من الدول ــ وفي مقدمتها الصين وبنجلاديش والهند وباكستان وغيرها- قد استطاعت أن تزيد من صادراتها إلى الولايات المتحدة، خاصة في قطاع المنسوجات والملابس الجاهزة دون دخولها في مثل هذه الإتفاقيات معتمدة أساساً على زيادة كفاءتها الإنتاجية وتحسين جودتها وتخفيض أسعارها». لكن د. دوابة يذهب لأبعد من ذلك قائلاً إنه «لاعبرة لما يردده البعض بالمصلحة الاقتصادية دفاعاً عن الاتفاقية»، ويضيف «التصدير لا يغفر جريمة ولا يقلب الحرام حلالاً».
المجد لرسل الحرية من فلسطين، بناة قرية باب الشمس. والعار كل العار للمطبعين على حساب القضية والأخلاق، على حساب الحق ومصالح الشعب.
[عن جريدة "الشروق" المصرية و"جدلية" تعيد نشرها بالإتفاق مع الكاتب.]